
كيف تعرف إذا كان الصداع بسبب التوتر؟
إيقاع الحياة اليوميّة سريع في الغالب، وكثيرًا ما نواجه مواقف مُرهِقة في العمل أو الحياة الشخصية تسبّب أعراضًا مختلفة في أجسامنا، خصوصًا إذا طال أمدها. من أبرز هذه الأعراض الصداع، بما في ذلك صداع التوتر والصداع النصفي. في هذا المقال نشرح كيفيّة التعرّف على هذا النوع من الصداع، وأسباب ظهوره، وما الذي يمكن فعله لمواجهته، مع نصائح يمكنك تطبيقها في روتينك اليومي.
كيف نُميّز الصداع الناتج عن التوتر؟
كل مُثير خارجي أو داخلي يُدرَك كعاملٍ مُعاكس يطلق استجابة منسّقة في الجسم تُشغّل عمليات تشمل معظم أجهزة الجسم، ومن بينها إفراز هرمون الكورتيزول المسؤول عن إبقاء الجسم في حالة تأهّب وتفعيل استجابات التوتر. تكون هذه الاستجابة مفيدة عند وجود خطرٍ حقيقي. لكن استمرار التهديد أو المشكلة وارتفاع الكورتيزول لفترة طويلة قد يسبب تغيّرات في المزاج وتبدلات جسدية ومشكلات جلدية وصداعًا، وغيرها من الأعراض. غالبًا ما يترافق هذا الصداع مع شدّ في عضلات الرقبة والرأس، ويُعرَف باسم "صداع التوتر"، وهو أكثر أنواع الصداع شيوعًا.
أعراض صداع التوتر
يوصَف هذا الصداع عادةً بإحساس الضغط حول الرأس، وقد يمتدّ إلى الرقبة أو يأتي منها. يستمر غالبًا لساعات، لكنه قد يطول لأيام ويتحوّل إلى حالة مزمنة قد تُعيق النشاط اليومي. إضافةً إلى علاقته بالتوتر، قد ينشأ صداع التوتر أيضًا بسبب اضطرابات وآلام مفصلية في الرقبة.
المناطق المتأثرة: الرقبة والكتفين والرأس
يظهر صداع التوتر عادةً لدى المراهقين والبالغين عندما تنقبض عضلات الرقبة وفروة الرأس وتتوتّر. لذلك يشعر الكثيرون بتيبّسٍ أو "ثِقَل" في الكتفين والرقبة.
الفرق بين الصداع الناتج عن التوتر وأنواع الصداع الأخرى
بشكل عام، يمكن تصنيف الصداع إلى صداع أولي، حيث لا يوجد سبب استقلابي مسبق، وصداع ثانوي، والذي ينتج عن حالة مسبقة. الصداع الأولي هو الأكثر شيوعًا، ويشمل الصداع التوتري والصداع النصفي.
يختلف صداع التوتر عن الصداع النصفي (الشقيقة) الذي يظهر غالبًا منذ المراهقة على شكل نوبات متكررة قد تستمر حتى 2–3 أيام وبشدةٍ متوسطة إلى شديدة، ويصيب النساء أكثر بسبب التأثيرات الهرمونية. يتميّز الصداع النصفي بتموضع الألم عادةً في جانبٍ واحد من الرأس مع أعراض مصاحبة مثل الغثيان و/أو القيء والحساسية للضوء والصوت وحتى الروائح.
أما صداع التوتر العَرَضي (أقل من 15 يومًا في الشهر) فعادةً ما يدوم من 30 دقيقة إلى عدّة أيام، وغالبًا لساعات، وهو ألمٌ منتشر في كامل الرأس (ليس موضّعًا كنوبات الصداع النصفي) وبشدةٍ خفيفة إلى متوسطة، ويُوصف بإحساس رباطٍ ضاغط حول الرأس. وهو أكثر شيوعًا لدى النساء وله ارتباط مباشر بالتوتر. هناك نوعٌ آخر أقل شيوعًا يُسمّى صداع العُنقود أو الصداع العنقودي، يتميّز بنوبات ألمٍ حادّة متركّزة في منطقة محدّدة (حول العين أو الصدغ) وقد تظهر عدة مرات يوميًا، ويصيب الرجال أكثر، ويترافق مع دمعِ العين واحتقان الأنف وسيلانه.
| صداع التوتر | الصداع النصفي (الشقيقة) | الصداع العنقودي | |
| المدة | من ساعات قليلة إلى يومين | حتى 2–3 أيام | عدّة مرات يوميًا |
| نوع الألم | منتشر في كامل الرأس | غالبًا في جانب واحد | متركّز حول العين أو الصدغ |
| الشدة | خفيف إلى متوسط | متوسط إلى شديد | حادّ |
| أعراض مصاحبة | إحساس بضغط حول الرأس | غثيان، حساسية للضوء والصوت | دموع، احتقان/سيلان الأنف |
أسباب الصداع الناتج عن التوتر
الأسباب متعدّدة، ورغم أن الآلية الدقيقة غير محسومة تمامًا، إلا أنّ هناك عوامل ومواقف معروفة ترتبط بظهوره.
التوتر العاطفي والجسدي
عند رصد عاملٍ مرهق ينظّم الجهاز الحوفي المشاعر والاستجابة الجسدية عبر الكورتيزول المنتشر مستقبلوه في أنحاء الجسم، فتُفعَّل "حالة طوارئ" لاكتساب الطاقة ومواجهة الموقف. إذا طال الأمر يبقى الجسد في توتّرٍ مستمر وتظهر أعراضٌ شائعة مثل الصداع. تؤدي متطلّبات العمل والدراسة والهموم الشخصية إلى إرهاقٍ ذهني ينعكس شدًّا لا إراديًا في عضلات الرقبة والكتفين والفك، ما قد يثير أو يزيد صداع التوتر. هذا النوع شائع جدًا في نمط الحياة السريع ويصيب حتى الفئات العمرية المبكّرة.
الوضعية الخاطئة والتوتّر العضلي
أي نشاط يُبقي الرأس في وضعٍ واحد لساعات قد يثير صداع التوتر: كالعمل أمام الحاسوب من دون فواصل كافية أو النوم بوضعية غير مريحة. هذه الوضعيات تولّد شدًّا مستمرًا في الكتفين والرقبة، كما يحدث مع التوتر.
الإرهاق الذهني وقلة الراحة
يرتبط صداع التوتر بقلة النوم؛ فاضطراب النوم يزيد شدة ومدّة النوبات، وقد يحدث العكس إذ يعيق الصداع النوم. يرتبط الضغط النفسي بأنماط نومٍ غير منتظمة كصعوبة البدء بالنوم أو الاستيقاظ ليلًا، ما يُضعف جودة الراحة ويزيد الإرهاق الذهني. كما قد تفاقم تغييرات الروتين اليومي— في مواعيد النوم والطعام—الصداع، وغالبًا ما تكون انعكاسًا لفترةٍ مرهقة.
عوامل تفاقم الصداع الناتج عن التوتر
يؤثر نمط حياتنا مباشرةً في شدة ومدّة الصداع؛ بعض العادات قد تزيد الأمر سوءًا مثل قلة النشاط البدني وبعض السلوكيّات الغذائية.
نمط الحياة قليل الحركة
للتمرينات أثر إيجابي واسع: فهي تحسّن الصحة العامة والدورة الدموية وتخفّض التوتّر العضلي وتطلق "هرمونات السعادة" كالاندورفين. الجلوس الطويل والخمول يراكمان الشدّ العضلي في الرقبة والكتفين — وهو من مسبّبات صداع التوتر.
الإفراط في الكافيين أو الكحول أو التدخين
قد تُساعد جرعات صغيرة من الكافيين على تخفيف بعض أنواع الصداع، لكن الإفراط (اعتبارًا من نحو 160 ملغ — ما يعادل قرابة فنجاني إسبرِسّو) قد يأتي بنتيجةٍ عكسية. كما تشير وكالة سلامة الغذاء الإسبانية إلى أن الاستهلاك المنتظم للكافيين قد يسبّب اعتمادًا جسديًا متوسطًا بدءًا من 100 ملغ/يوم وتحمّلًا يستدعي زيادة الجرعة لنيل الأثر ذاته. للنيكوتين أثرٌ معقّد في أوعية الدماغ وقد يثير صداع التوتر عبر تفعيل الجهاز العصبي. كما يُنصح بعدم الإفراط في الكحول؛ ورغم أن نوع الصداع الناتج عنه ليس توتّريًا، إلا أنه مُحفّزٌ معروف لنوبات الصداع والصداع النصفي.
كيف نخفّف الصداع الناتج عن التوتر؟
ينشأ صداع التوتر عندما تنقبض عضلات الرقبة ومحيط الرأس استجابةً لفترةٍ ممتدّة من الضغط النفسي. لذا فإن أفضل مقاربة تكون بتقييمٍ شخصي لتحسين إدارة التوتر يوميًا. ويمكن تجربة التوصيات التالية أثناء النوبة:
ماذا يمكنني فعله في المنزل؟
- الاستحمام بماء بارد أو فاتر لتنشيط الدورة الدموية، أو وضع كمّادة باردة على الرأس.
- تدليك الرقبة والرأس لتخفيف شدّ العضلات—ويمكن استخدام زيوت تدليك مثل زيت الأرنيكا لتهدئة العضلات.
- ممارسة أنشطة الاسترخاء مثل اليوغا أو التأمل.
- تعطير المكان بزيوتٍ عطرية مهدّئة باستخدام ناشرٍ عطري—مثل زيت الخُزامى (لافندين).
التمارين البدنية
قد تساعد التمارين الخفيفة إلى المتوسطة على خفض الشدّ العضلي وإطلاق الاندورفينات التي تثبّط نقل إشارات الألم وتُحسّن الشعور العام. لكن إذا كان الصداع من نوع الشقيقة فقد تُفاقمه الأنشطة الشديدة، لذلك من المهم تمييز النوع والأعراض بدقة.
تحسين جودة النوم الليلي
- الالتزام بروتينٍ ثابت: النوم والاستيقاظ في ساعاتٍ منتظمة.
- النوم 7–8 ساعات ليلًا متى أمكن.
- تجنّب النوم المفرط أو قضاء وقتٍ طويل في السرير بعد الاستيقاظ لأنه قد يثير الصداع لدى بعض الأشخاص.
كيف نمنع عودة الصداع؟
الهدف الأساسي هو تبنّي نمط حياةٍ صحي وتعلّم إدارة التوتر. تساعد العادات التالية:
- اتباع روتينٍ مناسب للنوم الليلي.
- ممارسة نشاط بدني منتظم عدة مرات أسبوعيًا وبشدةٍ متوسطة—للمحافظة على اللياقة وتخفيف العبء الذهني.
- دمج التمرين مع أنشطةٍ لإدارة التوتر مثل اليوغا والتأمل أو تمارين التمدّد المسائية.
- الحد من المنبّهات والمواد المُثيرة: الكحول والكافيين والتبغ.
- تبسيط جدول اليوم وتحديد الأولويات وترك وقتٍ لأنشطةٍ مُمتِعة، وتعلّم قول "لا" عند لزوم الأمر (التزامات عائلية/صداقات أو ضغط العمل).
- نظامٌ غذائيٌّ متوازن مع ترطيب كافٍ؛ قد تثير الأطعمة الفقيرة بالمغذيات أو الغنيّة بالمضافات والسكريات والدهون المشبعة آلام الرأس. قد تنفع حميةٌ مضادّة للالتهاب تشمل الخضروات الورقية والبقوليات والمكسّرات والبذور.
إذا كانت نوبات صداع التوتر متكررة أو تُقيّد أنشطتك اليومية، فاستشر الطبيب لتحديد أفضل السبل للسيطرة عليها والمتابعة. قد يُطلب منك تدوين يومياتٍ لوقت ظهور الصداع ومدته وما كنت تفعله وماذا أكلت—للكشف عن أنماطٍ أو مُحفّزات محتملة.










